قانون المرور اللبناني الجديد هرطقة أم تعسف
... ؟
من
يرفع دعوى قضائية على واضعيه ؟
الأصوات ارتفعت منكرة ومستنكرة ، وتعالت الصرخات في وجه قانون غير قانوني وغير أخلاقي وهو يتجافى مع جميع القوانين والأعراف المتبعة
في مثل هذه الحالة في كل بلدان العالم
..ولكن الصرخات سرعان ما تلاشت وخفتت أمام دجل المدافعين عنه وبراعتهم في تزيين مواده ، ولكننا نرفع الصوت مجددا دون أن يكون باعنا
طويلا في القانون ولكنه طويل في وضع القانون وتشريعه لأن واضع القانون لابد وأن
يستنير بآراء أهل الثقافة والفكر وعلماء الإجتماع والسياسة ، ونحن وبكل تواضع ننتمي إلى فئة من هؤلاء على
الأقل ، فأين هي المواصفات التي تنتمي إلى
عائلة القانون في بلاد القانون وأين هي
وجوه مشروعية هذا القانون في ظل التعسف في
فرضه والإستبداد في اعتماده ؟ وبنظرة
سريعة يتضح أن الغاية من هذا القانون هي الجباية وشأنه في ذلك شأن سيئ الذكر السنيورة لمضاعفة دخل الدولة عن طريق الجباية التي من أن الكثير من
القوانين التي اعتمدها سيئ الذكر السنيورة
لمضاعفة دخل الدولة عن طريق الجباية التي من شأنها أن ترهق كاهل المواطن بوصفه دافعا للضريبة لايقدر على
الإعتراض ... وهنا تكمن العقدة وهنا يقع بيت القصيد ، فالغاية إذن جمع الضرائب
في أعلى مستوياتها قصد تعويض
السرقات والإختلاسات التي لم يقم بها المواطن العادي بالتأكيد ، وهي التي أرهقت خزينة الدولة بما كدست عليها
من ديون تجاوزت الستين مليار دولار ، جعلت
السلطة تلجأ لسن مثل تلك القوانين البالغة التعسف ولنقل الرعونة ولنقل التسلط ....! ومن المعروف أن أحدا من اللصوص لن
يدفع شيئا من هذه الضرائب المباشرة وغير المباشرة
والأمر معروف ، إذن وقع الغبن على
بسطاء الناس وفقرائهم فلو أنني مثلا حاولت
الإعتراض على الشرطي الذي يحرر محضر
مخالفة في حقي فإن الأمر لايعدو مناكفة للشرطي الذي قد يسمح له بمضاعفة الغرامة
وسوقي إلى المخفر.... ولكن لو كان الأمر يتعلق بأحد الحيتان كما وصفهم ذات يوم
وليد جنبلاط ووصنف نفسه بشجاعة ظاهرة على
أنه واحد منهم ...فإن هذا وأتباعه لن يكون
بوسع الدركي من رفض اعتراض الواحد منهم ، وكما هو معروف والقانون
مخالف لكل المقاييس المعمول بها في جميع أنحاء العالم ، لأنه في الأقطار الأخرى ، التي تحترم حقوق
الإنسان ، يعتمد على قيم أخلاقية ويهدف
إلى تنظيم السير وتوعية الناس وتنبيههم بلطف إلى ما يمكن أن يشكل خطرا على سلامة الناس ، فالقانون إذن يكون جرس تنبيه رتيب ورفيق... ولا يكون صاروخا أو مدفعا مدمرا...
ولا يكون مرهقا لمرتكب المخالفة... وكل مواطن معرض لمثل تلك المخالفات والمواطن بالتالي
ليس مجرما وليست المخالفة في معظم الحالا
ت جناية حتى ولو أدت إلى وقوع ضرر بالغ غير مقصود وغير متعمد ، وبالتالي فإن الغرامة إنما تفرض بقصد التنبيه لا الترويع ولا التخويف ولا الترهيب ولا إرهاق المواطن بدفع مايقابل
مخالفته البسيطة بما قد يحرم عياله وأطفاله من لقمة الخبز ، وأعود إلى القول بأن في العالم مقاييس وخطوط لايجوز تجاوزها كما هو الحاصل في قانون
المرور اللبناني فعندما تصل الغرامة إلى المليون وتتجاوز المليون فهل من الممكن أن نصفها بالشرعية والمعقولة وهي تتجاوز الحد الأدنى من الأجور؟
بالتأكيد لا ..! وفي نظرة عاجلة إلى هذا
القانون يتضح لنا الآتي من نتائجه :
أولا : المساهمة في شحن النفوس بالغضب والإعتراض على
الدولة وتوسيع الشقة بين المواطن والسلطة وهي واسعة وعميقة أصلا .
ثانيا : إفساد
المواطن ورجل الأمن المكلف بتنظيم المخالفات
وهذا يسير في اتجاهين :
أ - الإتجاه الأول إغراء الدركي بقبول الرشوى فإذا
كانت المخالفة 200 ألف فبوسع المخالف أن
يدفع نصفها للدركي ثم ينصرف ولا يدعي أحد
بأن رجال الدرك ملائكة ومعصومون ..
ب – الإتجاه الثاني يتمثل في دفع المواطن إلى دفع الرشوة وقد أصبحت الرشاوى ليس على المستوى اللبناني هي البارزة بل على
المستوى العربي بكامله والرشاوى هي التي
تسببت بكل المآسي التي نعيشها من إرهاب
وقتل وتدمير ولسنا هنا بصدد الدخول بالتفاصيل ...
ثالثا : إن
الخزينة سوف تحرم ولا شك من الحصول على
شيئ من هذه المخالفات لأن العديد من رجال الدرك وجلهم لن تسمح ضمائرهم بتنظيم تلك المخالفات الإرهابية ، أما الأقلية وهم ممن يفتحون كروشهم للرشاوى ، فإنهم
لن ينظموها رغبة بنصفها أو ثلثها عن طريق مساومة
المواطن المعذور في التخفيف عن
كاهله نصفها أو أكثر وبذلك يكون واضع القانون
جاهلا بهذه النتائج فتخسر الدولة
التي كان يرتجى ضخ الأموال إليها بطرق
غير أخلاقية وغير شرعية وخلقت مجالا واسعا
للرشاوى في صفوف رجال الدرك ... فأمعنت بالفساد وتعميمه بين المواطنين ورجال الأمن المكلفين بالجباية ...
هذا من جهة
ومن جهة أخرى إذا كان القانون المروري سيئ الذكر يسمح باستعمال
الأضواء العالية في الأماكن المظلمة
ويمنعها ويغرم عليها في الأماكن
المنارة ولو جزئيا ، أليس من حقنا التساؤل
وببساطة لماذا تكون معظم الطرقات معتمة في
الوقت الذي تكون فيه مزودة بالمصابيح بمعنى أنها ينبغي أن تكون
مضاءة ولكن الدولة لم تؤمن الإضاءة فيها
فتعرض الناس لأخطار متفاوتة ولكنها أكيدة وهنا نتساءل أليس من حقنا المطالبة
بتغريم الجهة المسؤولة عن قطع التيار الكهربائي ؟ نعم ولكن كيف ؟
ثم نريد
التساؤل عن عملية تزويد الطرقات بالرادار وعما هو المقصود منها ؟ فهل المقصود حماية الناس
أم تغريمهم ؟ الجواب هو التغريم لأن جميع
دول العالم تضع لافتات تنبه من خلالها على أماكن تواجد الرادار إلا لبنان الذي
يخفيها لتوريط السائقين بمخالفات ودفع
الغرامة..... إذن القانون هنا موضوع لجمع
المال وليس لمصلحة وسلامة المواطن وهذا من جملة المفاسد التي "يتفاخر " بها
المواطن اللبناني أمام مواطني العالم المتحضر والأمر واضح على أن دولته متميزة
بوضع القوانين الجبائية كبديل عن النفط وهذا ما تفعله الحكومة في تجارة الرق
المعتمدة قانونا في مسألة استيراد
الخادمات السيريلنكيات والأثيوبيات والبنغلاديشيات .... حيث أصبح سوق الخادمات
كسوق النخاسة والمكاتب المنتشرة هنا وهناك
إنما يثري أصحابها على حساب آدمية وإنسانية هذا الجيش من فقراء العالم ..
وتساؤل آخر ، وهو إذا كانت مصالح الدولة تهمل تأهيل الطرقات بحيث تمتلئ بالحفرات والفجوات
والنتوءات مما يعرض السائقين للوقوع ضحايا
لها كما نرى في يوميات حوادث الطرقات فمن
الذي يغرم المهملين للطرقات مع وجود ورش الترميم والصيانة التي لا تقوم بواجباتها..؟
وأخيرا
وباختصار إن التوازن مالم يكن
موجودا عند وضع أي قانون فهذا يعني أن القانون فاسد وإن الدولة إن لم تتحمل مسؤولياتها فهي فاسدة
وإن القانون عندما يوضع من أجل الجباية
فهو تعسفي في مجمله أي فاسد ، وإن
الغرامة ما لم تراعي مصالح الناس قبل
مصالح الدولة لأن الأخيرة هي في الأصل من
أجل خدمة الناس لا ترويعهم وإفقارهم ، تكون هذه الغرامة فاسدة وتعسفية وغير قانونية
وإن القانون مالم ينظر إلى الجوانب الإنسانية والإجتماعية والأخلاقية ، فإنما هو قانون غير قانوني ولا يراعي فلسفة وضع القانون وبالتالي فإذا كان الأمر كما رأينا فمن يمكنه
أن يتولى أمر استجواب واضع قانون المرور الأخير
في لبنان والتحقيق معه ليصار إلى إلغائه
واستبداله بقوانين متوازنة بحيث تراعي مصلحة المواطن قبل مصلحة الدولة ؟ هذا الأمر
مطروح أمام أهل القانون من المشرعين
والمحامين ولا بد من الرد مادام لبنان
مازال يعتبر ولو مجازا بأنه دولة شبه ديمقراطية وتحترم القوانين .
26-04-2015