الحريري ...ونصرالله
لأول مرة أتكلم عن الحريري على أنه شهيد ، ومن عادتي أن أصفه بالعميل وألصق به تهمة تخريب لبنان ، فهل كنت مصيبا في ذلك أم أنني كنت مأخوذا بهواجس من النادر أن يتحرر منها أحد ؟ أولا أود التأكيد أيضا على أن خراب لبنان كان مرتبطا بظاهرة الحريري فكيف لي أن أوفق بين اعترافي بشهادة الرجل من جهة والإقرار بأنه كان عاملا من عوامل الفتنة والفساد من جهة أخرى ؟ الأمر بسيط ..ولكن لنبدأ من المحكمة الدولية التي كان وما يزال الهدف منها التعمية على الحقائق وخدمة القتلة الحقيقيين لرفيق الحريري ففي المحكمة ظهرت عوامل جديدة لم يتنبه لها إلا ذووالفطنة والنباهة ، وهنا ينطبق عليها القول المأثور " يؤجر المرء رغما عن أنفه " أو " قد يؤجر ...رغما عن أنفه " فنحن ومن خلال شهادات الكذابين والبكائين وصلنا إلى الكثير من الحقائق ولكن مصطفى ناصر كان والحق يقال المصباح الساطع الذي أضاء الطريق ، وضع النقاط على الحروف وأسدل الستار عن الكثير الكثير من الحقائق بشجاعة نادرة مرتبطة بثقافةعالية وصدق ونزاهة وثقة بالنفس وحسن ربط بين المعلومات واستخلاص للحقيقة من بين المتناقضات فالرجل عالم وخبير وبالإستشارة جدير ، فكان نعم المستشار ونعم الشاهد ونعم الحافظ ونعم المتحدث اللبق حيث كان يختار الكلمات والعبارات بدقة متناهية ولا يجيب إلا بعد التأني وحسن الإصغاء والفهم والتناول ، وقد أكد لنا علىأمرين : الأمر الأول أن الحريري لم يكن مذهبيا ولم يكن طائفيا لأنه جند عددا وإن كان قليلا من الرجال الأكفاء وجعلهم حوله من مختلف الطوائف ، والأمر الثاني أن الرجل كان محاولا ومحاورا ومجتهدا ولم يكن عميلا بالمعنى السائد والمعروف ...أما السيد حسن نصرالله فقد أكد بدوره أنه قائد متميز وشجاع كعادته وصريح وهذا شأن العلماء الأجلاء فعندما قال للحريري : أنت فاسد وحكومتك فاسدة وأنت قادم لتطبيق القرار الأمريكي أو الفرنسي (1559) لم يكن المقصود من ذلك تسفيه الحريري ولا شن هجوم باطل عليه بل أراد التنبيه على نظام وطريقة ما يعرف لدى الأطباء بالصدمة الكهربائية ...فكل المؤشرات كانت يومذاك توحي بما قاله السيد حسن والذي يده في النار ليس كمن يده في الماء البارد في عز الظهيرة أما الحريري فقد أثبت هو الآخر في رده على السيد حسن بأنه صادق وبأنه قادم فعلا للحوار ولتحقيق نتئج إيجابية فقد اعترف بشجاعة نادرة بفساد حكومته ثم بين بلطف حسن نواياه وبدأ الحوار ... ولو كان غير ذلك لكان استأذن بلطف دبلوماسي وانصرف دون أن يعودللسيد حسن ولكن المنطق وعلم النفس يوحيان بما لايدع مجالا للشك بأن الرجل كان صادق السريرة حسن النوايا فتابع وواصل حواره مع السيد حسن وفقا لما ذكره مصطفى ناصر ولما نعلمه نحن جميعا ولسنا هنا بحاجة لتكرار ما قاله ناصر فالأمور واضحة وعندما قال الواحد منهما للآخر بأنك جبل كان كل منهما يعني مايقول وابتدأ الحوار على أنه بين قـمتين متوازنتين ، والحوار كان ناجحا وكان منتظرا منه أن يصل إلى مثل ما وصل إليه الحوار بين ميشيل عون وحسن نصرالله ولو تم ذلك لكان الخطر كل الخطر محيطا بالعدو الصهيوني وحلفائه وبطليعتهم السعودية ومن معها من مسوخ الخليج المسفر منهم عن نواياه أو وظيفته والمخفي لها وتعهد الحريري بأنه لن يوقع صلحا مع إسرائيل إلا بعد توقيع سوريا وأنه لو طب منه نزع سلاح المقاومة لكان قطع أصابعه العشر قبل التوقيع على عمل مشين كهذا وكم كان صادقا عندما قارن بينه وبين محاوره حيث قال له مايعني أنه الأفضل لأنه قدم ولده للشهادة وهذا لايقدر هو عليه فكان اعترافا قبل أن يكون تواضعا ...وإكبارا وإجلالا لمحاوره ..ولما كان من المعروف أن الرجال لايكذبون فالأولى بحسن نصرالله ورفيق الحريري أن يكونا متوازنين من حيث الأصالة والصدق وهما في ذلك كقمتي جبلين متقابلين وهذا معنى تشبيه الواحد منهما للآخر بالجبل وهناك معطيات كثيرة ودلائل واضحة وكثيرة على أن الرجل ( الحريري) كان يحاور سوريا في نفس المستوى ويطمئنها كما طمأن نصرالله ومن هنا ندرك حسن نواياه ولا بد من التذكير بأن الحريري جنوبي وصيداوي وهو ذوخلفية نضالية وقومية والجنوبي الذي على شاكلته لا يمكن أن يبيع نفسه برخص كما فعل الكثيرون إذن الرجل صادق..غير أن المخابرات الصهيونية والأمريكية معا المعروفتين بالذكاء والدهاء ودقة المراقبة وجمع المعلومات أدركتا المخاطر مبكرا من تواصل الحريري مع سوريا وحزب الله فأعلنوها حربا استباقية وأعدوا لإغتيال الرجل ومن ثم وبمهارة إعلامية فائقة وظفا العملية لإضرام الفتنة التي كانتا تعدان لها وبواسطة العملاء الكثرالذين دستهم حول الحريري ونشرتهم في جميع المؤسسات الإعلامية والمؤسساتية والمخابراتية حيث تمكنوا من جمع المعلومات الوافرة التي جعلت القوم يخوضون حربا استباقية بحيث تغدوا به قبل أن يتعشى بهم وهذا ماكان وأخيرا نحن لا نريد التقليل من أهمية وذكاء الحريري ونقول بأنه تورط أواستعجل أوإنه لم يحسن اختيار مستشاريه أو أنه لم يحسن تقدير العواقب فكان مثله مثل المعتوه معمر القذافي ..لا ولكن الخصم هنا كان متمكنا وقد تمكن من غرس الجواسيس حتى سيطروا على أكثرمن سبعين بالمئة ممن يصفون أنفسهم بحزب وتيار المستقبل ولو أحسنوا صنعا لسموه بالحزب المخابراتي التجسسي الفتنوي ..وهنا أود الإشارةإلى أن المحكمة على هذا الأساس ربما تنقلب إلى محاكمة لرفيق الحريري نفسه بالطريقة المعاكسة على أنه لم يكن كما أريد له أن يكون وفقا لرغبة الصهاينة فقتل وتمت تصفيته لهذا السبب حتى إذا ماكشفت الحقيقة في يوم من الأيام تكون إسرائيل ومن يسر لها أمر الإغتيال وشرعنه لها في موقف المدافع عن أمن إسرائيل ..أما السيد حسن نصرالله فقد نال إعجاب الناس لما قال له بأنك فاسد وهي جرأةكنت أتمنى أن يقولها لآخرين موجودين في السلطة اللبنانية ويمثلون شرائحها منذ عقود وهم أكثر فسادا وأخطر في لبنان أغلب الظن أن سماحته يعرفهم وأعتقد أنه لو قابلهم في حوار لقال لهم أنتم فاسدون وأفسدتم لبنان ولأعترفوا كما اعترف الحريري بفساد بطانته من الوزراء ....