نحن والإعلان
بين التحليل العلمي الرزين والتحليل التهريجي
همسة إعلامية في أذان المشرفين على فضائية
المنار التي نحب
قبل أيام قليلة كنت أتابع كعادتي مقابلة على فضائية المنار ، وكانت
تلك المقابلة من تقديم وإعداد الإعلامي
الناجح عمرو ناصف ، وقد فوجئت بأن ضيف الحلقة
إعلامي غير ملمع وغير معروف وغير
مبتذل ، بمعنى أنه كالقطع النادر والذهب المكنون الذي لا نعثر عليه بين الركام إلا فيما قل وندر ، فالإسم غير
مطروح وغير معروف جيدا على العكس من أسرته المعروفة عربيا وهو المستشار (كذا) الخطيب ويبدو أنه من غزة كما اتضح لي من لهجته ، فتابعته
باهتمام بالغ حتى نهاية الحلقة التي أنهاها عمرو ناصف " لضيق "
الوقت عندما كان يلح الخطيب لأن يسمح له
بمتابعة فكرة على جانب كبير من الأهمية ، إلا
أن عمرو اعتذر بلطف لضيق الوقت وأسدل
الستار على الحلقة لتقدم المنار حصة إعلانية عن الفراريج التي تذبح وتنقى وتقدم للأغنياء بطريقة حضارية ، فتقززت
وثارت ثائرتي لا اعتراضا على الفضائية التي أحب ولكن على أننا بدلنا الذهب بالتراب وليعلم القائمون على فضائية المنار أن الإعلان
بطبيعته إما أن يكون محرما شرعا أو أنه
مكروه لأنه في فلسفته ترويج كاذب لسلعة
على حساب سلعة وهو دعاية غير دقيقة وغي منصفة وبعيدة عن المصداقية ، وشعارها أو
فحواها أو معناها اشتروا من هذا الذي يمول الإعلان ولا تشتروا من ذاك الذي لا يملك
مايدفعه لصفحات الإعلان حتى تقدمه ذلك
التقديم ، وليس غرضي هنا التعليق على الإعلان
وطبيعته وموقف الشرع من تحليله أو تحريمه
أو كراهيته ، ولكنني كنت
أتمنى ألا تقطع الكلمة على المحلل
السياسي البارع الذي كان يقدم حديثا كشف فيه بالوثائق الدامغة والحجة البينة
والبرهان القاطع على أن كل التنظيمات التي
تحمل شعارات إسلاموية وأعلنت " الجهاد " في العراق وسوريا ومصر إنما هي
منظمات صنعت في أمريكا وتمولها دول ومشيخات خليجية وترعاها الصهيونية بالتعاون مع تركيا وأنظمة عربية باتت معروفة
وبذلك يكون المستشار الخطيب قد كشف النقاب عن المستور وأوضح للذين ما زال
يخدعهم البهرج الإعلامي ، وهم كثر في
وطننا العربي والإسلامي لإنتشار الأمية السياسية والدينية بين جماهيرنا المنتشرة عبر القارات والتي ما زالت تمد
الإرهابيين يوميا بالإنتحاريين والمقاتلين من الصبيان والمراهقين ، الذين يموتون ويقتلون العشرات وهم وفقا للمذهب
الوهابي مؤمنون بأنهم إنما يعملون هذا مرضاة لله
، وسوف يدخلون بذلك الجنة التي
تفتح أبوابها في وجوههم الكالحة فور صعودهم إلى السماء ، وهم إنما يعملون لمرضاة
إبليس والشيطان الموزع على إسرائيل
وأمريكا والذيليين العرب ، نعم أيقنت
وتأكدت أن ذلك المحلل إنما ينطلق وبذكاء
خارق ووطنية لا غبار عليها ومعرفة شاملة موثقة
بحكم متابعته الدقيقة للأحداث بشكل متسلسل تاريخيا ، منذ حقب طويلة وبالتالي كان المحلل يضع الهناء مواضع النقب بطريقة ذكية وهادئة ومقنعة حتى أولئك الذين لا علاقة لهم بفن العرض وعلم التحليل السياسي والتاريخي
، وليس كل من يتنطح للتحليل يملك تلك القدرة على الإقناع ولكن الرجل كان
متمكنا من معلوماته وطريقة عرضها بشكل
شيق ودقيق ، ولا أريد الخوض فيما كشفه الأستاذ الخطيب من الأوراق الفلسطينية والمصرية
والعربية بشكل نزيه ومجرد عن الغرضية وبعيد عن
التهريج والبهتان إنه محلل سياسي
ومراقب بكل ما تعنيه الكلمة من المعاني ، وكم
كنت أتمنى على عمرو ناصف أن يعلن عن حلقة قادمة مع هذا المحلل الرائد
أو عن موعد جديد لإعادة بث الحلقة حتى نتمكن من تقديمها إلى أوسع الطبقات الشعبية التي طالما وقعت ضحية للإعلام المزيف
والتضليلي المشوه وما أكثر الفضائيات التي
تمول خليجيا كالجزيرة وتلك القائمة
الطويلة من الفضائيات التي تمول سعوديا سواء كانت مكتوبة أو مبثوثة بالصوت أو الصورة فضلا عن الفضائيات الرسمية لأكثر من عشرين دولة
ومشيخة وإمارة عربية وأمريكية وفرنسية ، نعم تضايقت كثيرا عندما قطع كلام هذا المحلل
وتضايقت أكثر لكوني لم أره ولم يسبق أن أستمعت إليه من قبل فقلت لاحول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم ! فإننا في الوقت الذي نفتح فضائياتنا أمام الكثيرين من
المهرجين من أصحاب الثقافات الضحلة
والمعلومات الباردة الغثة ، نقفلها أمام
أمثال هذا المحلل الذي يمثل قمة شامخة في سماء الإعلام الفقير في بلادنا وعتبي كبير على فضائية المنار التي
طالما عودتنا على عرض الحقائق رزينة هادئة ولطالما قدمت لنا قمما شامخة كهذا
ولكنها بدل أن تعيد ما يستحق الإعادة
نراها تطوي الصفحات دون تمكين المستمع المتلهف لسماع الحقائق والساعي وراء الحقيقة التي تفتح الآفاق أمام جماهيرنا الباحثة
والمتطلعة إلى ماتحب وتشتهي من عرض الوقائع وإنني أذكر بالمناسبة أن
الحلقات التي عادة ما تبث من القاهرة تكون دسمة ثرية ولكننا وللأسف نضرب عليها ستارا من التعتيم غير
المقصود ونتمادى في عرض المكرر المعاد من
الحلقات التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، ولو
كان المجال يتسع لذكرت الأسماء بالتفصيل
ولكنني أعلم جيدا أن القائمين على فضائية المنار يعرفون هذا ويملكون القدرة على
التمييز بين الغث والسمين ومرة أخرى أقول بأن الساحة المصرية تعج بكبار المثقفين
الذين نحتاج إليهم لأنهم الأكثر
إقناعا لجماهير أمتنا لأسباب مختلفة لا
مجال هنا لذكرها ومرة أخرى أقول : أيهما
أهم ؟ الإعلان عن مزارع ومذابح
الدجاج أم كشف أوراق الذين يذبحون أبناءنا
كما يذبح الدجاج ؟ نعم فلتكن الأولوية للتحاليل الهادفة ولا بأس من الخروج على النصوص
والترتيبات الإعلانية المعروفة لإستكمال الفكرة المطلوبة ولو لدقيقة أو دقيقتين
وأخيرا تحياتي إلى فضائية المنار التي أنحني أمام أهميتها وجديتها ونجاحاتها التي
أتمنى لها الديمونة وأرجو ألا تؤخذ ملا حظاتي إلا على محمل الجد والمحبة .
03-01-2015