الموت حرقا
المنتحرون
في بلجيكا والغرقى في بحار العالم وعلى شواطئ المتوسط
تعجبني جدا فضائياتنا الممولة نفطيا
والمنتفخة خزيا وعارا ،عندما
تتناول أمرا أو حادثة وقعت بعيدة عن مسامعنا وأنظارنا ، ففضائية الجديد وربما غيرها أيضا ، وأنا لا أعرض
بها ولا بمهنيتها ، عندما حدثتنا قبل وقت
قليل ، في تحقيق مصور عن جهجاه حمية الذي انتحر حرقا وهو يتقن ثلاث لغات في شوارع بلجيكا في أوروبا ، وفي حيثيات القضية أن الرجل رفض
الترحيل بعد إقامة غير شرعية على مدى بضع سنوات
، وبعد مظاهرات شارك فيها مع بضع مئات ، قام بها
من هم من نفس الفئة المخالفة ، وفي
التحقيق أيضا قالت الفضائية مضيفة أن الرجل لم يمت ، والحمد لله ، وهو يرقد الآن
في المستشفى وحالته مستقرة ، أن المدعي العام ، في بلجيكا ، قد أمر بفتح تحقيق حول الموضوع ....
إلى هنا ينتهي
حديث الفضائية ، وهي لم تتناول شيئا عن
لبنانيته وعروبته وحالته التي استوجبت هجرته غير الشرعية من بلد ، هو الآخر لم يعد وضعه شرعيا ، لأن جنسيته هي
تحت الدرس أعني "جنسية" الوطن ، فهل تعرفون وطنا " جنسيته وهويته هي تحت
الدرس " ؟ لم تذكر لنا شيئا عن حياة
المنتحر قبل انتحاره ، ولم تشر إلى الجهة
التي كانت تنفق عليه ولكننا ، نعرف كل شيئ
فلبنان الذي سرقه السادة من "علية " القوم أصبح أكثر من ثلثيه يعيشون تحت حد الفقر، وأن العمل فيه مرهون لقادة العصابات ممن أصبحوا يملكون من القصور ما
لايحد ولا يحصى ، ومن أرقام أرصدتهم ما
جعلهم يتنافسون فيما بينهم ، بحثا عن
" الحريرية "ولو أردت أن أعددهم هنا لما انتهيت ، ولكننا جميعا نعرفهم
جيدا بالإسم والصورة ، ونحن جميعا من عداي
شخصيا ننحني لهم ونقبل أياديهم ونسير في ركابهم
كما يسير البعض وهم يجرجرون ثوب العروس
وهي ذاهبة إلى بيت عريسها الذي أنفق ما تحته وفوقه من أجل الوصول إلى عرشها المصون ، وبعد حين تبدأ رحلته بحثا عن اللقمة في عالم محفوف دائما بالرغبة في الإنتحار
" وياما شفنا وعرفنا " !....
الفضائية المشار إليها ، وهي مشكورة أيضا ، لم تذكر لنا
كيف أن الدول الأوروبية تتعامل إنسانيا مع
أولئك الذين يصلون إليها بنفس الطريقة التي استعملها جهجاه ، ولم تذكر أن المئات بل الألوف وربما عشرات
الألوف يتقاضون مرتبات تساوي مرتبات أساتذة
الجامعات في بلادنا ، وذلك " بدل
بطالة " ولم تشر إلى أن هؤلاء
يمارسون حق التظاهر وهم " غير
شرعيين ، ونحن نمنع من التظاهر ولو كذبا من أجل "القضية الفلسطينية "
فضلا عن القضايا المعيشية ، ولم تحدثنا من
ناحية فلسفية لتصل بالنهاية لمحصلة تثبت
معها أن أوباش داعش والسلفية ، قد تم
تجنيدهم للقتل تحت البند السابع مكرر من
القوانين التعسفية في بلادنا التي تسرق
بموجبها كل الخيرات من قبل السماسرة وقطاع الطرق ،
وبالمناسبة ألا تسألون معي : من أين للبنان هذه الأموال التي تسرق وتستباح وقد باع نفطه وغازه " لإسرائيل ( حتى لا يتسبب للسادة بوجع الراس ) "
وهما مش ناقصهم " وإذا أردتم الجواب فأقول إنها أموال من ينجحون في مغامراتهم من " الحراقة
المغتربين " وإلا فمن أين جاءت تلك
القطعان الآدمية لتفجر في بلادنا وبواسطة
الآلية الغربية الشرقية طاحونة الربيع
العربي ؟ ذلك الربيع الذي عاد علينا
بالويل والثبور وعليهم بطوفان من النعيم الموفور – واعذروني على هذه السجعة التي لا أريد إليها رجعة ، ولم تحدثنا كيف أن
المواطن العربي المغترب في بلاد النفط يتم استغلاله وتتم سرقته بعد تكميمه
أعواما طوالا وهو لا ينبث ببنت شفة ، ولا يملك أي حق من حقوق آدميته ، وهو مواطن شرعي وإقامته شرعية ؟
نحن دائما
نكوع ونحسن التكويع ونحاذر بأناة وذكاء
حتى لا نقع في المحضور والملايين في أوطاننا لا تعيش على حافة الفقر ولا تحت خط الفقر بل على حافة الإنتحار ، ابتداء من تونس وانتهاء بلبنان ومرورا
بالمئات الذين يموتون كل يوم غرقا على
مقربة من شواطئ الأمان وهم في طريقهم إلى أندونيسيا فأستراليا أو على شواطئ
إسبانيا وإيطاليا ، هم يتحدثون بفضائياتهم
عن الكثير والكثير من القضايا المشابهة لكن خارج حدود الجحيم الذي نعيشه ، ويلامسون خطوط النعيم الذي يعيشه "
الحراقون " بعد وصولهم بالسلامة إن كتبت لهم السلامة ... نحن في بلادنا وفي
فضائياتنا الممولة صهيونيا وخليجيا
بالوكالة ، نحسن البكاء على الأطلال كما نحسن كتابة الإنشاء " العربي "
وبالمناسبة فإنني أذكر كيف كان أستاذنا الأمي يعلمنا ونحن في الإبتدائي أ ن نكتب
موضوعا في الإنشاء ، نصف له فيه ليلة من
ليالي الشتاء الباردة ، وما زلت أذكر كيف
كان يعلمنا أن الرعد يشبه زئير الأسد في
أعماق الغابة وأن البرق يكاد يذهب بالأبصار وأن حبال المطر المتساقط بين الأشجا ر أثناء
ظهور أشعة الشمس من بين انفراجات الغيم على أنها كحبال الذهب ....
وهكذا هي الحكاية التي درجنا عليها منذ
نعومة أظفارنا كذب في كذب فوق كذب تحت كذب
! وكلنا اليوم مع فضائياتنا نتقن لغة الإنشاء بعيدا عن أرض الواقع فمتى نصحو ونستيقظ وننفض عنا غبار النوم
المتثاقل والكسل المتوارث منذ أجيال بعيدة ...حتى نقول شيئا من الحقيقة
ونثور على واقعنا ثورة الشرفاء لا ثورة الجبناء ، وأخيرا هل تصدقون بأنني أشفق من كل قلبي على
جموع قطعان الداعشية ممن يذبحون ويقتلون ويأكلون ربما اللحوم الآدمية ثم "
يسبحون بحمد الله " على ما أفاء به عليهم من " نعمه " وأوشك أن أقول
وربما أقول إن هؤلاء جميعا نتاج طبيعي لمدارس الذل والمسكنة والجوع والفقر
والمسغبة والإضطهاد التي نعيشها في
بلادنا ، وخاصة بعد ظهور النفط الذي حاصرناه فحوصر تحت خط العائلات التي باعت
نفسها للشيطان وجعلتنا لا نعتلف إلا على موائد شيطانية فبأي آلاء
ربكما تكذبان ؟