كنت حتى الأمس أنظر إلى البعث العراقي على
أنه حزب علماني ، وبصرف النظر عن كل ما رأيناه من تصرفاتهم وحكمنا عليها بالأخطاء القاتلة ، إلا أننا نصر على أن هذا الحزب لا يخرج عن كونه حزبا
علمانيا بعيدا عن التحجر والتزمت ،وهو
بالتالي حزب وحدوي عروبي لا يخلع ثوبه التقدمي
مهما جارت عليه الأحداث ، وكان بودنا أن يستفيد من أخطائه ليحسن ويطور مسيرته
الوحدوية ويجدد نضالاته القومية ، بعيدا
عن عبادة الفرد والجمود حول نفسه
والتقوقع في زاوية أبعدته عن كل
شعاراته المعلنة ، وهذا بنظرنا ،
إنحراف وتراجع عن المواقف الثورية التي
أهلتهم في يوم من الأيام ليكونوا حزبا ثوريا طليعيا ، ولا نقول أكثر من هذا وكنت ألتقي بالبعثيين العراقيين في الجزائر
وكنت وما زلت ألتقي معهم في دفاعهم عن اللغة العربية وكنت أرضى بهذا على أنه أقل
ما يمكن ولا بأس ، وأنا من طبعي لا أسرع
ولا أتسرع في الحكم على أي كان ما دمت ألتقي معه
ولو على العشر من أفكاره وطروحاته ،
وأبتعد عن الجدل البيزنطي الذي لا فائدة منه ولا معنى له ولطالما كنت أفكر في عملية غزو صدام لإيران في
الوقت الذي كانت فيه إيران مشغولة بذيول ثورتها على الشاه ولملمة جراحها وإعادة
تشكيل جيشها وإعادة بناء قوتها التي تزعزعت أثناء الحرب على الشاه ، وعجزت بالرغم
من كل مرونتي أن أجد ولو منفذ إبرة أدخل منه لأبرر حربهم القذرة على إيران ، ولكنني
كنت لا أجد تلك الثغرة وذاك المنفذ وأعود لأقرر بأنها حرب خاطئة بكل المقاييس
والمعايير وما لهذه الكلمات من المعاني
الصارخة الصاخبة ، تلك الحرب التي حصدت
الملايين من الشعبين اللذين لو لم يكونا شقيقين لكانا جارين ، وكان باسطاعتهما
الجلوس إلى مائدة المفاوضات لإيجاد الحلول السلمية والحضارية لكل المشاكل مهم تعاظمت واتسعت رقعتها ، إذن إن حكمي على هذه الحرب واحد لا ثاني له :
إنها حرب إجرامية قذرة وقفت وراءها
المخابرات الأمريكية والصهيونية اللتين كانتا وما زالتا تستعملان الخليجيين كمخلب قط ومفسد فتنوي وممول ومثير للنعرات المذهبية والعرقية
والجهوية ، ولا شيئ غير هذا فهم الذين
حرضوا الدكتاتور صدام ومن ثم لما استنفذوه
قتلوه بطريقة فضة قاسية ومن ثم ادعواأن الشيعة قتلوه وهذه هي عادتهم وعادة المطبلين لهم والسائرين في ركابهم
والنافخين في أبواقهم ، ومع هذا فإن
البعثيين العراقيين لم يستفيدوا من هذا
الدرس ولم يعيدوا النظر بسياساتهم
وأخطائهم ولم يكلفوا أنفسهم عناء مراجعة شاملة لمواقفهم وسياساتهم الخاطئة ، وأصروا
على تصوير الطاغية على أنه الملاك الوديع ،
وقتل صدام وتم تدمير العراق بسبب رعونته وفساده وغرقه بالطائفية وقد كرس نفسه
زعيما للسنة في العراق وهذا يتنافى مع أبسط القواعد السياسية للعلمانية التي
ادعاها زورا وبهتانا ،واضطهد الشيعة كل الشيعة حتى أننا لم نكن نجد وزيرا شيعيا
واحدا في وزاراته التي كان يشكلها
باستثناء الصحاف ، ترى ألم يكن من
البعثيين الشيعة من يستحق أن يكون وزيرا ؟ ثم طرد ثلاثة ملايين شيعي عراقي على
أنهم من أصول إيرانية وكان كاذبا مفتريا ، وكانوا كلهم من العراقيين الأقحاح ، ولم
يتمكن أحد من القول له بأنه مخطئ لأنه " رب" وهو لا يخطئ ، نعم كان مذهبيا وهو لا علاقة له بالإسلام أصلا
ناهيك عن علاقته بالمذهب وهو الذي أرغم المؤرخ العراقي مصطفى النجار ليزور تاريخا
يدعي فيه الهاشمية ، أو يثبت فيه تزويرا انتساب صدام لبني هاشم !!! وقائده ميشيل
عفلق ، ودعنا من هذا كله فصدام مات وكان باستطاعة البعثيين ومن حقهم والواجب عليهم
أن يعيدوا النظر فيما سلف من سياساتهم ، كما قلنا ، ويعيدوا الإعتبار لأنفسهم كحزب وحدوي تقدمي لا
طائفي والساحة العربية كانت وما زالت تعج
بمن يمكن أن يلتقي معهم هؤلاء ، ولكنهم أبوا واستكبروا وما زالوا سائرين على خطى صدام وهو عميل لأمريكا وقد تم التخلي عنه وتصفيته وكان الهدف تدمير العراق كما
هو الحال بالنسبة لسوريا واليمن وليبيا ،وقد تم تدمير العراق أولا بالفعل ولحقت به
الأقطار التي أشرنا إليها ، ولم يرعو البعثيون ، والأنكى من كل هذا أننا نراهم
اليوم وقد التحموا مع السعودية تلك العائلة التي
كان صدام على علاته أشرف من أشرف واحد فيها على افتراض وجود الشريف منهم ، وها هم الآن يكررون ويرددون ويجترون كل أكاذيب
آل سعود في حروب الردة في كل من سوريا ولبنان والعراق واليمن ، وهو يختلقون الأكذوبة
ومن ثم يتموقعون خلفها ، وبكل صفاقة
إنهم ضد شيعة العراق وضد الحشد الشعبي وضد حزب الله وضد سوريا ، وهذا يعني
وببساطة مع السعودية التي حرضت على صدام
ودول الخليج المعترفة بإسرائيل والمتحالفة
معها ومع الأردن ، ولنضرب مثلا على
داعشيتهم فهم يدعون بأن الشيعة يرتكبون
مجازر في العراق ضد السنة في
الفلوجة وهذه أكذوبة ما أنزل الله بها من
سلطان ولكنهم يتناسون العمليات الإنتحارية
والسيارات المفخخة والقصف المركز
والإعدامات المعلنة التي ارتكبها الدواعش في الباكستان وإفغانستان والعراق وسوريا
ولبنان وجزيرة العرب ( السعودية ) والكويت وإيران وأخيرا اليمن ... ضد تجمعات الشيعة في
مساجدهم وحسينياتهم ومجالس عزائهم وأسواقهم ومحاصرتهم لكل من الفوعة ونبل والزهراء
لمجرد أنهم شيعة في سوريا ، ولكن دلوني على جريمة مماثلة واحدة يكون ارتكبها أي
فصيل من فصائل المقاومة المتحالفة مع سوريا ضد أي تجمع على أساس مذهبي ، وأخبروني
عن عملية انتحارية واحدة قام بها أو نفذها
حلفاء المقاومة ضد مسجد من مساجد السنة ، ودعنامن التفاصيل وقد ذهب مئات الألوف من
الأبرياء بعدما أفتى الوهابيون بقتل الشيعة أينما كانوا .. أيها البعثيون أنتم
تكررون كالببغاوات كل ما تنطق به أبواق
السعوديين والوهابيين ، فكفاكم جهالة وعودوا إلى رشدكم واعلموا أن آل سعود
لا يتحالفون إلا مع الشيطان فلا تكونوا شياطين
وتذكروا أنكم كنتم في يوم من الأيام مناضلين عروبيين ولاينبغي أن تتعبدوا بشخص صدام الذي ذهب بما له
وبما عليه .. 27/03/2016