أنا والإمام موسى الصدر لقاءات وحوارات
ونحن نعيش هذه الأيام الذكرى
السابعة والثلاثين لجريمة قتل أو حجز حرية الإمام الراحل المرحل ، نتذكر الإمام وخطوات الإمام وأنشطته وحيويته
نتذكر بالمزيد من الألم تلك الجريمة التي
لم نحسن التحرك في أجوائها ولم نحسن معالجتها والتعامل مع مرتكبيها ، لأن جريمة في هذا المستوى كان ينبغي أن تعالج
على أعلى المستويا لأنها كانت على خلاف ما يدعيه البعض جريمة متعددة الجوانب فهي جريمة بحق لبنان كل لبنان وجريمة بحق العرب
كل العرب ناهيك عن كونها جريمة بحق القضية
الفلسطينية والشعب ، نها والحق يقال
متقاطعة مع كل هذه الأبعاد وتلك الزوايا ولو قارنا بينها وبين جريمة اغتيال رفيق الحريري
لأختلفت الصورة والمقارنة فاسدة من أساسها ، وإن كنا وعن بعد نجد أن البصمات الصهيونية تربط بين
الجريمتين بخيوط رفيعة غير أن الطريقة
مختلفة والأهداف متباينة وإن كانت تلتقي
في نهاية المطاف بالقضية الفلسطينية وبالأهداف الأمريكية المسطرة في أسفارهم
وبروتوكولاتهم ، فإن الصورة مختلفة
وللصهيونية حضور في كل ما من شأنه أن يحدث
شرخا في العلاقات بين أطياف ومكونات المجتمع اللبناني ، والعلاقة مرتبطة بالقضية الفلسطينية بشكل مباشرفي آخر المطاف أما من الجانب القانوني فإن قضية الإمام كانت
على جانب من البساطة بحيث أننا لو طلبنا عقد محكمة دولية لكنا تحصلنا على نتائج إيجابية ، وخلال أقل من عشرة أيام ، لأن معالم الجريمة واضحة ومرتكبها إن لم يكن
معروفا بالتأكيد بالإسم ، فإن خيوطها ليست رفيعة بحيث لا ترى بالعين المجردة ، نعم إن الخيوط بالإمكان رؤيتها بالعين المجردة وإن المحكمة المحلية أو الدولية كان باستطاعتها الوصول إلى النتائج الواضحة ولكن ولأمر ما أحجمنا عن الدخول في ذلك
، وهنا نصل إلى نقطة لايمكن أن نخوض فيها
ولكن اليوم الذي نستطيع فيه الخوض في ذلك قريب
وقد يأتي في أقرب الآجال، فنغض الطرف
عنها ونكتفي بالقول بأن للبيت ربا يحميه ونعود إلى العنوان مباشرة ..
كان وصول السيد موسى الصدرإلى لبنان
مرتبطا بمشروع ثوري تغييري وليكن هذا المشروع إيراني وقد حضر لأداء مهمة
وإذا كنا سنتحدث عنها بعد حين فلنتحدث عن ظهور الإمام في لبنان الذي حصل في وقت كانت الطائفة الشيعية تفتقر
لوجود مؤسسة دينية تنسجم مع حجمها وأهميتها وكانت الدولة مستعدة للتجاوب مع
الفكرةلأن الذي حملها كان على مستوى عالي إنه موسى الصدر فكان المجلس الإسلامي
الأعلى ....بحيث أخذت الطائفة الشيعية نصيبها أسوة بباقي الطوائف وكان هناك متضررون على مستوى الطائفة أولئك
الذين كانوا عاجزين عن ملء الفراغ الذي ملأه السيد بكفاءته وعبقريته وقوة شخصيته ،
وأهمية الخلفية التي يستند إليها ويستمد
منها قوته وكانت الثورة الإيرانية ، ونعني بها باختصار الإمام الخميني رضوان الله
عليه والإمام الصدر على علاقة بالثورة وقد أخبرني العلامة السيد عباس المهري في الكويت وهو القريب جدا من الإمام الخميني أن موسى الصدر كان مرشحا ليكون أول رئيس
لجمهورية إيران وهذا ما لم تنفه الأحداث الجسام والتطورات التي ارتبطت بحضور الإمام وفعاليته حتى انتهت
بالقضاء عليه ، إذن كان الإمام ظاهرة دينية وظاهرة سياسية وظاهرة توحيدية فكان كما هو معلوم يواضب على التواصل مع المسيحيين ويحضر إلى كنائسهم وأديرتهم ويعمل على لأم الشرخ فيما بين المسلمين
والمسيحيين ، ويحاضر فيها كما كان على اتصال دائم بدار الإفتاء السنية وكذلك فعل مع طائفة الموحدين الدروز وبنظرة
بسيطةإلى تلك التحركات ندرك وبسرعة بأنها كانت تتناقض تماما مع الرغبات المعبر عنها لدى الصهاينة والسائرين في
فلكهم وهذا يعني أن أي نوع من أنواع
التقريب بين الأديان والمذاهب هو كما أثبتت التجارب والتطورات يتناقض مع المشاريع التفتيتية التي "
تكرمت " الداعشية والوهابية أخيرا بالعمل من أجلها تحت أغطية عدة ... هذا هو
موسى الصدر فلماذا لا يعمل الأعداء على إزاحته بعدماطغت شخصيته على الساحة ؟
الزيارة الأولى
هذا البريق الخاطف للإمام الصدر
جعله القبلة للكثيرين فمنهم الساعي على خطى الإمام ومنهم الساعي إلى مصالحه
الشخصية والأمر طبيعي وهذه طينتنا في
لبنان والعالم العربي موزعة بين الإنتهازي الوصولي والراغب في الإصلاحي والساعي
إليه وللأسف فإن الوصوليين غالبا ما ترجح
كفتهم بحيث يسارعون للجلوس على يمين الملك.. في تلك الفترة كنت في ليبيا
وكنت أعمل هناك في التدريس وكنت ناشطا سياسيا مع النظام الذي استجد مع الإنقلاب
الذي حسبناه ثورة ، وفي إجازة الصيف رغبت
بزيارة الإمام وكان يرافقني وفد من بعض
الشباب ومنهم شخصية إعلامية برزت على
الساحة أخيرا وتناولت الحديث مع الإمام وكنت أركز على
موضوعين : الموضوع الأول خلق مؤسسة دينية تسهر على الأوقاف الشيعية وهي
كثيرة ومنتشرة ويتولى الإشراف عليها والإستفادة منها حاليا وبطرق تخالف الشرع أشخاص جعلوها من
ملكياتهم الشخصية وضربت له على ذلك أمثلة كثيرة وختمت بالقول آن الأوان لتوحد هذه
الأوقاف بإشراف مؤسسة تنبثق عن المجلس الإسلامي الأعلى ، أما الموضوع الثاني فكان حول وحدة المسلمين والعلاقة بين السنة
والشيعة وعبرت له عن حرصي على وحدة المسلمين
فكان جوابه كالآتي : إن توحيد وجمع الأوقاف الشيعية أمر مستصعب إن لم يكن مستحيلا ثم ذكر لي الشواهد التي أنا هنا بغنى عنها
والخوض في تفاصيلها لأن الأمر يتعلق بالإقطاع الديني ، لأنها معروفة في النبطية وصور وبيروت وسائر
المناطق أما عن العلاقة مع دار الفتوى
السنية فقد أسهب الحديث عنها وأيد بالشواهد على أنه جاد فيها بالإضافة إلى العلاقة
مع المسيحيين إذن هنا كانت عناوين وكنت بزيارتي كعادتي إذا ما اجتمعت بكبير فإنني
أركز على المصالح العامة ولا أبحث عن شيئ
لي فشكرني الإمام وأكد على ضرورة المعاودة
للأتصال به وكان هذا اللقاء في بير
حسن في شهر تموز من عام 1970 وربما 69
اللقاء الثاني
أما اللقاء الثاني فكان فرديا حيث زرته بمفردي في المجلس الإسلامي
الشيعي الأعلى في الحازمية عام 1971 وهذا
اللقاء كان عاديا لم أكن أحمل في جعبتي فيه شيئا ولكننا تحدثنا في العموميات وعن
وضعي في ليبيا ولم أتحدث في شبئ بعيدا عما
يجري على الساحة اللبنانية والجنوبية ثم انصرفت وقام بتوديعي بأن سار معي خطوات حتى الباب وودعته وانصرفت .
اللقاء الثالث
أما اللقاء الثالث فكان في عام 1973 في القاهرة في فندق شيبرد على
النيل وصادف أنني كنت في القاهرة في هذه الأثناء وعلمت بوجوده فقصدته للسلام
والإطمئنان عليه وفرح لزيارتي وعبر لي عن
احترامه لي وعن سعادته بحضوري وتحدثنا بما ينسجم مع طبيعة الزيارة واللقاء بحيث لم
نخض في أي موضوع بل سألني عن ليبيا وعن
الأوضاع في ليبيا وكان الحديث في العموميات
ثم انصرفت ...
اللقاء الرابع
أما اللقاء الرابع فكان في
الكويت وكنت قد خرجت أو أخرجت من ليبيا عام 1975 وتم طردي لأسباب سياسية بالطبع وكنت على علاقة بالعقيد
معمر القذافي وبالمناسبة لا بد من الإشارة
إلى الإبعاد أو الطرد حنى تتضح
الصورة كنت في ليبيا مقربا من السلطة وكنت
رئيسا للجنة بحث مشكلات الأخوة العرب في ليبيا وكان معي شخصيات مرموقة من مصر وتونس والسودان وفلسطين
وأذكر منها ( حسين عبد الناصر وأبو الفتوح وشخص آخر من مصر وشخصان من تونس وآخر
من السودان وأمين مصطفى من فلسطين )ولو عدت للأسماء لذكرتها بالكامل وفي أواخر شهر أيار من عام 1975 نظمت مسيرة
جماهيرية احتجاجا على ما كان يجري في
لبنان من مضايقات للفلسطينيين وكانت أمريكا كالعادة وراء الحدث وكان معمر
مازال وفقا لما سمح له به يتحدى أمريكا
كذبا ونحن نتابعه صدقا فقمت بحرق العلم الأمريكي أمام السفارة الأمريكية مع الجماهير التي تم حشدها للمناسبة وفي
الأسبوع الأول من شهرحزيران طلبت من السيد أحمد الشحاتي وهو ظابط كان يقوم بأعمال
وزارة الخارجية أو العلاقات الخارجية وكان صديقي
وطلبت منه أن يحدد لي موعدا مع
العقيد معمر فكلمه في الأمر وعاد لي بالجواب ، قال
إن العقيد وافق وسيحدد الموعد في وقت لا حق وصادف بعد ذلك أي في حدود العشرين من حزيران أن قام
العقيد بزيارة ثانوية علي وريث وكنت أدرس فيها وقد نصب طوق حول العقيد ولم
يسمح باختراقه إلا لي حيث وصلت له وذكرته
بالموعد فأخبرني أن الشحاتي فاتحه بالأمر وقال لي
في أقرب وقت سوف أحدد لك الموعد ، ثم اقترب موعد الإجازة الصيفية مع نهايةحزيران فسافرت إلى لبنان لقضاء الإجازة
وفي أيلول عدت ومع عودتي لا حظت أن رجال
المخابرات يتابعونني على غير العادة
وحققوا معي ولم يكن في الملف ماهوذو أهمية واتصلت بالعقيد بوسائلي الخاصة فما
كان منه إلا أن بعث لي بأحد المقربين منه
واسمه ( المقدم جمعة الغرياني) الذي زارني
كمبعوث للعقيد وأوضح لي بأن العقيد غير قادر على عمل شيئ ! واستغربت وعلمت أن
الأمر أكبر من العقيد ولكن من عساه يكون أكبر من العقيد ؟ هذا كلام سوف نتحدث عنه
فيما بعد وكان أن تم تسفيري عند هذه
النقطة أتوقف لأن التكملة سوف تكون فيما
بعد وعدت إلى لبنان وبعد وقت قصير سمعت أن
إذاعة لندن قد أذاعت الخبر على أنني من المخططين للرائد عمر المحيشي وهذا غير صحيح ولكن لا بد لي الآن من طي
الصفحةلأعود لسماحة الإمام الصدر .
اللقاء الرابع والأخير في الكويت
تحصلت على عقد للعمل في الكويت في المعهد الديني ابتداء من أيلول 1975 وفي
العام 1978 أو عام 77 وهو العام الذي سافر فيه الإمام إلى ليبيا علمت أن الإمام في زيارة للكويت وأنه في فندق
الشيراتون فاتصلت به ورد علي شخصيا
فقلت له أريد الإمام السيد موسى فقال لي بالحرف الواحد أنا هو موسى الصدر وقبل أن أقول له من أنا ؟ قال لي ألست في ليبيا
بمعنى أنه عرفني فورا فسررت على
هذه البديهة وعلى أنه مازال يحتفظ بإسمي ويعرفني وزرته في الشيراتون .
في الشيراتون / الكويت
في الشيراتون الكويت
قابلت الإمام على الحادية عشرظهرا ، وكان في
استقبال مجموعة من رجال الأعمال اللبنانيين المقيمين في الكويت وبعض مؤيديه
ومشايعيه من المؤمنين وما أن دخلت وألقيت
التحية حتى انتصب واقفا مرحبا والإبتسامة
تعلووجه ، شكرته واتخذت مجلسا لي بين
المجموعة فبادرني بالسؤال بعلمي أنكفي ليبيا فهل تركتها ؟ قلت له نعم تركتها وأنا اليوم هنا في
الكويت فسألني عن حالي وأوضاعي وعملي وأجبت
على هذه الأسئلة الطبيعية والتقليدية بشيئ من الإختصار ، ثم قال لي : كيف
ليبيا فقلت هي بخير فقال بعلمي كنت مرتاحا هناك فكيف تركتها ؟
قلت له مولا ي إذا كنت تعلم بأنني كنت مرتاحا فمن حقك أن تسأل : لماذا تركتها ؟
والحق وكأنني كنت أنتظر مثل هذا السؤال
الذي وجدت فيه استفزازا لذاكرتي ومعاناتي أو أنني شعرت على الأقل بهذا
الشعور ،غير أنني فضلت الحديث بداية عن الأوضاع السياسية التي لم تكن كما ينبغي
كانت قلقة ومشحونة بالتوتر وعمليات
التطهير في صفوف الضباط والكوادر السياسية قائمة على قدم وساق ، وكذلك فإن عمليات التسفير والترحيل تناولت
العديد ممن ظنوا بأنهم وجدوا في ليبيا
مأمنا لهم وظنوا بأن النظام القائم هو
نظامهم وهذه كانت عقيدتنا ولكن بشكل نسبي فتكلمت بصدق , واخبرته بأن الأوضاع ليست كما
يشتهي المرء واختصرت لأقول بأن النظام في
ليبيا في ضياع ولا يكاد الواحد من الناس
يعرف إلى أين يتجه وتكلمت بمرارة" المرحل " قسرا من ليبيا والمبعد قهرا
وظلما عن بيته وعائلته ، وقلت له وأنا
أعني بالطبع السلطة لا الشعب ، القوم
مولاي قليلو الوفاء قليلو الصدق وهم أشر
مما تتصور ويتصور الناس ، لم يعد يعرف النظام
كيف يتصرف ؟ ومعمر وهو بالتالي الأكثر سوءا وفسادا على الإطلاق وهو على جانب كبير
من الجهالة ، وكأنه وضع في مكان ليس له ، وجرى حديثي في هذا السياق وكان طبيعيا
بالنسبة لي أن أتحدث بهذه الطريقة وأنا العليم بالكثير من بواطن الأمور إلا أن
الإمام لم يلبث أن استوقفني وقال : إنني سأزور ليبيا وبالطبع فإنه لم يسألني عن رأيي بهذه الزيارة ، ولكنني وانسياقا وراء حدتي في الحديث عن ليبيا
قلت له والله ياسماحة الإمام لا أنصحك
بهذه الزيارة ولا أعتقد أنك سوف تجد بالرجل ضالتك فهو في غاية القصور الذهني وعديم
الخبرة بالأمور السياسية وهذا هو واقع الحال بالنسبة لضابط صغير كمعمر كان يحلم
بترقية فإذا به يصبح رئيس بلد ! ثم استطردت مضيفا بأن القوم ليسوا كما تظنون ومعمر ليس بذلك الزعيم الكفء وهو مجرد مراهق
رأت المخابرات الأمريكية وغيرها أن يسند الأمر إلى مثل ذلك المعتوه على أن تسيره
بواسطة أجهزتها ، و استرسلت في حديثي على هذه الطريقة وهذا صحيح فجميع الوطنيين
والعروبيين الذين خدعوا بمعمر في أول الأمر أصبح لديهم جميعا قناعة بأن الرجل لم
يكن إلا أداة أمريكية مقنعة ومدروسة كان الإمام يصغي إلي باهتمام إلا أنني استدركت أخيرا كمن أحس بأنه قد تمادى وتجاوز حدوده ،
وضحكت وكأنني أستخف بنفسي وقلت له ياسماحة الإمام
: معذرة فأين أنا منك وأنا مواطن عادي ؟ أما أنت
فأنت من أنت وما تمثل ولن يخطفك القوم أو يسيئوا معاملتك وعندما
أطلقت هذه العبارةمازحا ضحكت وضحك الحضور ، وأضفت أنه لا بد من أنك سوف تكون معززا ومكرما
فالمعذرة سيدي وضحكت من جديد وضحك الإمام
ومن معه فيصالون الهوتيل وكنت
أخبرته بأنني كنت على تماس بالعقيد وبأن القوم قد أبعدوني قسرا وظلما وبطريقة
تعسفية وفضة ، وكان هذا اللقاء مع الإمام
هو آخر لقاء وكان ماكان أن تمت تصفيته أثناء تلك الزيارة المشؤومة بالتواطؤ بين
العديد من زعماء العرب ومعهم بعض اللبنانيين ! فرحم الله الإمام الذي انتقم الله له بقتل اثنين ممن شاركوا في التآمر
عليه وكانوا شركاء في الجريمة ومنهم ياسر عرفات ومعمر ولا حول ولا قوة إلا بالله .
02/09/2015